Translate

الأربعاء، 24 أبريل 2013

الــــــــرجــــــــــولــــــــــة


الــــــــرجــــــــــولــــــــــة

 د. ناصح أمين 






يظن كثير من الناس أن كلمة الرجولة مرادفة لكلمة الذكورة. وهذا خطأ كبير. فالذكورة والأنوثة ليستا خاصتين بالإنسان، بل تشترك معه فيهما الكائنات. لا أقول الكائنات الحية فقط، بل حتى الجمادات. فالذرة مؤلفة من بروتونات موجبة وإلكترونات سالبة، والسحاب بعضه يحمل شحنات موجبة وبعضه يحمل شحنات سالبة، واصطدامهما ينتج عنه البرق والرعد. وفي النبات أجزاء ذكرية وأجزاء أنثوية ويتم التلقيح بينهما بغبار الطلع…
الذكورة أمرها واضح في المظهر، تتمثل شوارب مفتولة أو لحى مسدولة أو عضلات مفتولة، لكن الرجولة لا تظهر إلا في التصرفات والمواقف والأحداث.
الرجولة هي كلمة شرف وموقف عز. هي الصدع بالحق، والجهر به، ومناصرته، وألا تأخذك فيه لومة لائم. هي الوقوف في وجه الظلم والباطل والطغيان. هي العزم والصبر. هي الكرُّ والفرُّ ومجاهدة الظالمين والطغاة. هي البذل والعطاء والتضحية والفداء. هي الدفاع عن الأعراض والشرف والكرامة والأنفس والأموال. هي أن تحسن إلى من أحسن إليك، ولا تسيء إلى من أساء اليك. هي أن تحترم الناس من غير الظالمين والطغاة، وتحترم وجهات نظرهم، ولا تستصغر شأنهم، ولا تسفه آراءهم. هي الشهامة والمروءة في أجلِّ معانيها. هي أن تعطي كل ذي حق حقه. هي الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة. هي أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك. هي إنصاف المظلوم من الظالم. هي مد يد العون للمحتاج في كل الظروف. هي أن تعرف قدر نفسك، فلا تقلل من قيمتها فيطمع بك الآخرون، ولا تتجاوز بها الحد فتطغى على الآخرين. هي أن تغفر وتعفو عند المقدرة، وأن تمسك نفسك عند الغضب. هي أن تمسح بيد حانية دموع الألم عن وجه المظلومين. هي ألا تبغض الناس من حولك بل تبغض أفعالهم الخاطئة فترشدهم ليتركوها. هي أن تنام قرير العين مرتاح الضمير، غير ظالم، وغير راضٍ عن ظلم الظالمين وطغيان الطغاة. هي الاستقامة والثبات على الحق، والمحافظة على العبودية لله وحده ورفض العبودية للناس، وهي الصمود أمام مغريات الدنيا وشهواتها (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ).
ولقد ورد في القرآن الكريم بعض هذه الصفات (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)، (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)، (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)، (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ).
الرجولة أن تحيا بعز وكرامة وتأبي المذلة والمهانة، كما عبر عن ذلك عنترة بقوله:
لا تسقني ماء الحياة بذلة*** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ولقد رأينا من أبطال الثورة في سوريا رجولة مثل التي ترويها لنا الكتب عن أبطالنا في التاريخ. ومن هنا ندرك لماذا تمنّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكون لديه رجال مثل أبي عبيدة بن الجراح، فاتح بلاد الشام، وأمين الأمة كما سمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت هذه معاني الرجولة فإنها ليست محصورة بالذكور دون الإناث. فقد رأينا من نساء ثورتنا المباركة مواقف لم نجدها عند كثير من الذكور الذين وقف بعضهم مع الطاغية، وآثر بعضهم السلامة خوفاً من الظالم فوقفوا موقف المتفرج. ولذا قال الشاعر:
فلو كانَ النساءُ كمنْ ذكرنا*** لفُضِّلتِ النساءُ على الرجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشمسِ عيبٍ*** ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ
وإننا في سورية مقدمون على عصر جديد فلنزرع الرجولة في نفوس أولادنا لنحصد جيلاً فريداً نادراً يأبى الخضوع لأي ظالم .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق